رجل ميسور الحال، مُؤَدٍّ فرائضَ الله حريصٌ عليها، يُخرج زكاة ماله قبل أن يَحول عليها الحوْل، ودافعه إلى ذلك أنه يرى مُحتاجينَ فيتعجَّل إعطاءَهم جُزءًا مِن زكاته، علِم ذلك منه شيخٌ فقال: إن ما أعطيتَه للمُحتاجين قبل حَوَلانِ الحول صدَقةٌ، والزكاة لا تجب إلا بحَوَلانِ الحوْل. فأيُّ الرجلينِ على صوابٍ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن تبع هداه وبعد:
فإن الأمة الإسلامية في حياتها الحاضرة في حاجة ماسَّة إلى مَن هم على شاكِلة الرجل مَوضوع السؤال، ذلك الرجل الذي لا يَستطيع أن يرى مُحتاجًا وهو قادر على سدِّ حاجته إلا سعَى في سدِّ هذه الحاجة ابتغاءَ مَرضاة الله عز وجل، مثلُ هذا الرجل زكَّى الله نفسَه وآتاها تقوى فأصبحت خيرًا تَفِيضُ بالخير وتَنعم بالرضا.
أيها الأخ الكريم، سؤالك يكشف عن أن الفقهاء الذين رأوا أن الزكاة لا تَجب إلا بحوَلانِ الحول كانوا أصحاب نَظرةٍ صائبةٍ ووَرَعٍ كامل؛ إذ إنهم قاسوا نفوس الناس على أنفسهم، تلك النفوس التي تجد اللذَّة في العَطاء وتُنفقُ لِيُنْفَقَ عليها. قدَّر هؤلاء الفقهاء أن كل الناس مِثلهم يُعطون ولا يَخشَونَ مِن ذي العرش إقْلالًا، فجعلوا الزكاة كالصلاة يُلتزم فيها بالنصِّ ولا يُفتات عليه بالزيادة ولا يُلْتفُّ حولها بالنقص، فكل ما أخرجه الإنسان مِن المال قبل حوَلان الحول صدَقةٌ لا زكاة، هذا رأيهم.
وهناك فريق آخر مِن العلماء يُحبب الناس في الزكاة ويَعمل لحساب حب زيادة المال حسابه في النفس البشرية، فرأى أن تَعجيل دفْع الزكاة قبل حوَلانِ الحول جائز ولا غُبار عليه.
إن لهؤلاء أدِلَّتُهم ولهؤلاء أدلتهم. ولنا أن نختار، والذي أختاره أنا الأخْذُ بجَواز دفع الزكاة قبل أن يَحُول على المال المُزكَّى عنه الحولُ، ما دام المُزكِّي قد نوَى عند إخراج المال أنه مِن زكاته؛ ذلك أن مُجاراة الواقع الذي لا إفراط ولا تفريط فيه عن حدود الدين مما يُناسب هذا العصر الذي رأى فيه كثير مِن الناس أن الأمانة مَغْنَمًا، والزكاةَ والصدقةَ مَغْرَمًا، ويا ليتنا تكون على طريق "أنْفِقْ يُنْفَقْ عليك".
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- الأستاذ الدكتور عبد الرزاق محمد فضل الأستاذ بجامعة الأزهر