يزداد عمر صندوق الزكاة ويتجدد شبابه بمرور الزمان، وهو في نمو مستمر إن شاء الله تعالى. ولعلّ نمو صندوق الزكاة في لبنان هو من معنى الزكاة نفسها، إذ الزكاة في اللغة العربية لها معنيان: (الأول) الطهارة، و(الثاني) النماء والزيادة. ففي الزكاة طهارة للنفس من إستئثارها بالمال وضنِّها به عن الغير وتعلق حق الغير به بالزكاة،. وبفريضة الزكاة أيضاً تصبح النفس طائعة راضية بإخراج حق الفقير من المال باعتبارها فريضة شرعية من الله.
وفي الزكاة أيضاً معنى النماء من جهتين: (الأولى) كونُ الزكاة سبباً دافعاً للمُزكي لتنمية ماله بالعمل به في التجارة كي لا تأكله الزكاة، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة» رواه الطبراني في الأوسط؛ (والثانية) كون الزكاة عاملاً مساعداً في التنمية الاجتماعية، وذلك بصرف الزكاة في مصارفها الشرعية على مستحقيها، وتحسين أوضاعهم، وغايتها إغناؤهم عن المسألة، ومساعدتهم في اقتناء حاجاتهم، وهذا النماء والنمو المطرد في الزكاة على كافة الوجوه عند المعطي وعند الآخذ، وقيام صندوق الزكاة ولجنته وإدارته بواجب صرف زكاة المُزكين في مصارفهـا الشرعية لأصحاب الحقـوق فيها ممن ذكَرَهم الله تعالـى في القرآن الكريـم من الأصنـاف والجهات الثمانية، يساهم مساهمة فعّالـة في نمو صندوق الزكاة بنمو عدد المُزَكّين في المجتمع عامـةً ومع صـندوق الزكـاة خاصة، وقد شاهدنـا آثـار نُمو صندوق الزكاة وإدارته، ونمو حجم تعاملـهِ في المجتمع، سـواء مع المُزكيـن أم مع أصحاب الحقوق في الزكـاة، طيلة سني عمره.
واليوم وبهذه المناسبة، نودّ أن نذكر الأغنياء بحقوق الفقراء في أموالهم، وبأن إخراج هذه الحقوق من أموالهم لأصحابها فريضة شرعية لازمة لهم، تتحقّق بزكاة في أموالهم، والله تعالى يقول في القرآن الكريم: {وفي أموالهم حقٌ للسائلِ والمحروم} الذاريات/19. ونذكرهم أيضاً بأن النبي محمداًصلى الله عليه وسلم لما أرسل الصحابي الجليل مُعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن ليدعو أهلها إلى الإسلام أوصاه وقال له: «إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قبلوها فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا قبلوها فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فَتُرَدُّ على فقرائهم» (والصدقة في الحديث هنا هي صدقة الفرض، وهي الزكاة).
ونذكر الأغنياء أيضاً بجدوى الزكاة في المجتمع، وتحقيقها للتوازن بين من يملك ومن لا يملك، فقد جاء عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه حيث قال: «إن الله افترض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهَدَ الفقراء إذا جاعُوا أو عَرَوْا إلا بما يصنعُ أغنياؤهم، ألا وإن الله محاسبهُم حساباً شديداً، ومعذبهم عذاباً أليماً».
ونوَد أن نوجه عناية أصحاب الحقوق في زكاة المال، إلى أن الزكاة التي يأخذونها ليست مِنةً من أحد من الناس، بل هي حق من الحقوق التي ذكرها الله في القرآن الكريم: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} المعارج/25.
وقد مدح الله تعالى في القرآن الكريم المؤمنين الذين يؤدّون زكاة أموالهم بقوله تعالى: {والذين هم للزكاة فاعلون} المؤمنون/4، .. إلى أن قال الله في آخر الآية: {اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} المؤمنون/10.
وصندوق الزكاة في لبنان التابع لدار الفتوى هو المؤسسة العامة للزكاة في لبنان، يطلق فريضة زكاة الأموال بطريقة طوعيّة في المجتمع، ويأمل ممن يزكون أموالهم أن يتعاونوا معه على تحقيق هذه الفريضة وأهدافها الدينية والاجتماعية، وهو يرحب بكل تصور يرغب أن يقدمه أي مسلم لتطوير أعماله، وتحقيق أهداف هذه الفريضة الشرعية، والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشـيخ د. محمـد رشـيد قباني