أريد أن أعرف منكم ما يجب علي أن أراعيه في قسمة الزّكاة بين الأصناف الثّمانية هل يجب أن أعطيهم جميعا بمعنى أن أسوي بينهم أم يجوز لي أن أعطي واحدا فقط؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
فالذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجب صرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورين في الآية، ويجوز صرفها إلى صنف واحد، وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة، ومنقول عن جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، ومن ثم فلا يشترط التسوية أو إعطاء كل مصارف الزكاة، لأن هذا يرتبط بحاجات وظروف كل صنف. لكن على وجه العموم إذا كان مال الزكاة كثيراً فينبغي تعميم المال على المصارف الثمانية إذا وجدت، وإذا كان قليلاً فيعطى مصرف واحد دون غيره، وإذا كان أحد الأصناف الثمانية في حاجة ماسة وظاهرة فينبغي العناية بالصرف إليه، وينبغي أن يكون الفقراء والمساكين هم أول الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة، فإن كفايتهم وإغنائهم هو الهدف الأول للزكاة.
فقد جاء عن الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه:
ذهب جمهور العلماء (الحنفيّة والمالكيّة وهو المذهب عند الحنابلة وهو قول الثّوريّ وأبي عبيدٍ) إلى أنّه لا يجب تعميم الزّكاة على الأصناف، سواء كان الّذي يؤدّيها إليها ربّ المال أو السّاعي أو الإمام، وسواء كان المال كثيرًا أو قليلًا، بل يجوز أن تعطى لصنفٍ واحدٍ أو أكثر، ويجوز أن تعطى لشخصٍ واحدٍ إن لم تزد عن كفايته، وهو مرويّ عن عمر وابن عبّاسٍ، قال ابن عبّاسٍ: في أيّ صنفٍ وضعته أجزأك.
واحتجّوا بحديث: {تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم} قالوا: والفقراء صنف واحد من أصناف أهل الزّكاة الثّمانية، وبوقائع أعطى فيها النّبيّ صلى الله عليه وسلم الزّكاة لفردٍ واحدٍ أو أفرادٍ، منها: {أنّه أعطى سلمة بن صخرٍ البياضيّ صدقة قومه}. وقال لقبيصة: {أقم يا قبيصة حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها}. قالوا: واللّام في آية الصّدقات بمعنى " أو "، أو هي لبيان المصارف، أو هي للاختصاص، ومعنى الاختصاص عدم خروجها عنهم. وصرّح المالكيّة بأنّ التّعميم لا يندب إلاّ أن يقصد الخروج من الخلاف، وكذا استحبّ الحنابلة التّعميم للخروج من الخلاف.
ذهب الشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد وقول عكرمة، إلى أنّه يجب تعميم الأصناف، وإعطاء كلّ صنفٍ منهم الثّمن من الزّكاة المتجمّعة، واستدلّوا بآية الصّدقات، فإنّه تعالى أضاف الزّكاة إليهم فاللّام التّمليك، وأشرك بينهم بواو التّشريك، فدلّ على أنّها مملوكة لهم مشتركة بينهم، فإنّه لو قال ربّ المال: هذا المال لزيدٍ وعمرٍو وبكرٍ قسمت بينهم ووجبت التّسوية، فكذا هذا، ولو أوصى لهم وجب التّعميم والتّسوية. وتفصيل مذهب الشّافعيّة في ذلك أنّه يجب استيعاب الأصناف الثّمانية في القسم إن قسم الإمام وهناك عامل، فإن لم يكن عامل بأن قسم المالك، أو حمل أصحاب الأموال زكاتهم إلى الإمام، فالقسمة على سبعة أصنافٍ، فإن فقد بعضهم فعلى الموجودين منهم، ويستوعب الإمام من الزّكوات المجتمعة عنده آحاد كلّ صنفٍ وجوبًا، إن كان المستحقّون في البلد، ووفى بهم المال. وإلاّ فيجب إعطاء ثلاثةٍ من كلّ صنفٍ ; لأنّ الآية ذكرت الأصناف بصيغة الجمع. قالوا: وينبغي للإمام أو السّاعي أن يعتني بضبط المستحقّين، ومعرفة أعدادهم، وقدر حاجاتهم، واستحقاقهم، بحيث يقع الفراغ من جمع الزّكوات بعد معرفة ذلك أو معه ليتعجّل وصول حقّهم إليهم. قالوا: وتجب التّسوية بين الأصناف، وإن كانت حاجة بعضهم أشدّ، ولا تجب التّسوية بين أفراد كلّ صنفٍ إن قسم المالك، بل يجوز تفضيل بعضهم على بعضٍ، أمّا إن قسم الإمام فيحرم عليه التّفضيل مع تساوي الحاجات، فإن فقد بعض الأصناف أعطى سهمه للأصناف الباقية، وكذا إن اكتفى بعض الأصناف وفضل شيء، فإن اكتفى جميع أفراد الأصناف جميعًا بالبلد، جاز النّقل إلى أقرب البلاد إليه على الأظهر، على ما يأتي بيانه.
وقال النّخعيّ: إن كانت الزّكاة قليلةً جاز صرفها إلى صنفٍ واحدٍ، وإلاّ وجب استيعاب الأصناف، وقالا أبو ثورٍ وأبو عبيدٍ: إن أخرجها الإمام وجب استيعاب الأصناف، وإن أخرجها المالك جاز أن يجعلها في صنفٍ واحدٍ.
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- مجموعة من الباحثين