طلب شقيق زوجتي وهو ابن خالي مبلغًا من المال كقرض، ومع علمي بعدم قدرته على سداد المبلغ وافقت، وقبل تسليمه المبلغ نويت تزكية مالي. مع العلم أن المبلغ أكثر من زكاة المال.. هل يجوز احتساب المبلغ كزكاة مال؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
نعم يجوز لك يا أخي، إذا أقرضت قريبًا لك مالا ثم أعسر في سداد الدين، وكان محتاجًا؛ أن تعتبر هذا الدين من زكاتك وتتنازل له عن دينك وتعلمه بأنك تنازلت له عن دينك، إن لم يكن في المصارحة جرح له، فإن خشيت عليه أن يُجرح فلا تخبره، وهذا مرتبط بنيتك أنت، فهو في هذه الحالة صار من الغارمين، وصار من الفقراء.
وبذلك يدخل فيمن يستحقون الزكاة لفقره، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. وجزاك الله الخير الكثير.
وعن إخراج الزكاة للأقارب، ذكر الدكتور يوسف القرضاوي في فتواه أن الذي ذهب من العلماء إلى جواز دفع الزكاة إلى الأقارب - ما عدا الوالدين والأولاد - منهم من بنى ذلك على أن النفقة لا تجب على القريب لقريبه، إلا من باب البر والصلة لا الإلزام والإجبار، ومنهم من رأى وجوب النفقة، ولم يرها - مع ذلك - مانعة من إعطاء الزكاة، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والإمام يحيى، وهو الرواية الظاهرة عن أحمد، قال ابن قدامة: رواها عنه الجماعة، قال في رواية إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور، وقد سأله: يُعطى الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟ قال يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد، وهذا قول أكثر أهل العلم، قال أبو عبيد: هو القول عندي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة" (رواه الخمسة إلا أبا داود)، فلم يشترط نافلة ولا فريضة، ولم يفرِّق بين وارث وغيره، ولأنه ليس من عمودي نسبه، فأشبه الأجنبي (المغني: 648/2).
وقد روى ابن أبي شيبة وأبو عبيد هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين: فعن ابن عباس قال: يعطي الرجل قرابته من زكاته إذا كانوا محتاجين.
وعن إبراهيم أن امرأة ابن مسعود سألته عن زكاة حلي لها (وكان يرى في الحلي الزكاة) فقالت: أعطيه بني أخ لي أيتام في حجري؟ قال: نعم.
وقال سعيد بن المسيب: إن أحق من دفعت إليه زكاتي يتيمي وذو قرابتي.
وسئل الحسن: أخي أعطيه زكاة مالي؟ قال: نعم.
وسئل إبراهيم: امرأة لها شيء أتعطي أختها من الزكاة؟ قال: نعم.
وعن الضحاك قال: إذا كان لك أقارب فقراء فهم أحق بزكاتك من غيرهم.
وعن مجاهد قال: لا تُقبل ورحمه محتاجة (انظر هذه الأقوال في مصنف أبي شيبة: 47/4 – 48، الأموال: ص 581 – 582).
وهذا الرأي الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم منذ عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من جواز دفع الزكاة إلى القريب ما لم يكن ولدًا أو والدًا، هو الذي نرجحه وهو الذي رجحه أبو عبيد في الأموال.
وبذلك يكون لك أخانا الحرية الكاملة في أن تسقط هذا الدين عن قريبك المعسر، طالما تأكدت أنه من الغارمين في غير معصية إن شاء الله ولك الأجر العظيم عند الله، مصداقًا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة…".
ونحب أن نشير هنا إلى أن الزكاة فرض، الهدف منه إعطاء المحتاج، وعليه فعلى مؤديه أن يتأكد أنه أعطاها لمن يستحقها؛ أي يتأكد من فقر الفقير وحاجته الحقيقية، أو يتأكد من عدم قدرة الغارم على سداد دينه.. وهكذا فعلى أخانا أن يتأكد من كون قريبه غارمًا أو فقيرًا بحق وأن يخلص نيته لله في غير حرج من القرابة أو النسب. والله أعلم. بارك الله لكم ووفقكم لما يحب ويرضى.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- لجنة تحرير الفتوى بالموقع