كثيراً ما يحاول البعض الأخذ من الزكاة وهم ليسوا من أهلها للأسف حتى يضيعوا بذلك حق الفقراء والمساكين فما حكم من أخذ وهو ليس من أهلها وما حكم دافع الزكاة في هذه الحالة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
من تحرى واجتهد فأخطأ ولم يضع زكاته في محلها، فهو معذور، ولا يتحمل تبعة خطئه؛ لأنه بذل ما في وسعه، ولن يضيع أجره على الله.
وأما إذا قصَّر في التحري، ولم يبال من صرف إليه زكاته وتبين أنه أخطأ المصرف الصحيح، فعليه أن يتحمل تبعة خطئه الناشئ عن تقصيره وتفريطه، ويلزمه إعادة الزكاة مرة أخرى، حتى تقع موقعها، لأنه حق لأهلها من الفقراء والمساكين وسائر المستحقين، ولا تبرأ ذمته إلا بإعطائها إليهم.
لكن في كلتا الحالتين يجب على من أخذها وعلم أنها زكاة وهو ليس ممن يستحقها أن يردها، أو يرد عوضها إن كان قد استهلكها، وهذا إذا تأكد له أو غلب على ظنه أنه ليس من أهلها.
جاء عن الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه:
لا يحلّ لمن ليس من أهل الزّكاة أخذها وهو يعلم أنّها زكاة، إجماعًا. فإن أخذها فلم تستردّ منه فلا تطيب له، بل يردّها أو يتصدّق بها ; لأنّها عليه حرام، وعلى دافع الزّكاة أن يجتهد في تعرّف مستحقّي الزّكاة، فإن دفعها بغير اجتهاده، أو كان اجتهاده أنّه من غير أهلها وأعطاه لم تجزئ عنه، إن تبيّن الآخذ من غير أهلها، والمراد بالاجتهاد النّظر في أمارات الاستحقاق، فلو شكّ في كون الآخذ فقيرًا فعليه الاجتهاد كذلك.
أمّا إن اجتهد فدفع لمن غلب على ظنّه أنّه من أهل الزّكاة فتبيّن عدم كونه من أهلها، فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال بعضهم: تجزئه، وقال آخرون: لا تجزئه، على تفصيلٍ يختلف من مذهبٍ إلى مذهبٍ، فعند أبي حنيفة ومحمّدٍ:إن دفع الزّكاة إلى من يظنّه فقيرًا ثمّ بان أنّه غنيّ أو هاشميّ أو كافر، أو دفع في ظلمةٍ، فبان أنّ الآخذ أبوه، أو ابنه فلا إعادة عليه، لحديث معن بن يزيد قال: { كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها فوضعها عند رجلٍ في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: واللّه ما إيّاك أردت، فخاصمته إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن }. ولأنّا لو أمرناه بالإعادة أفضى إلى الحرج ; لأنّه ربّما تكرّر خطؤه، واستثنوا من هذا أن يتبيّن الآخذ غير أهلٍ للتّمليك أصلًا، نحو أن يتبيّن أنّ الآخذ عبده أو مكاتبه، فلا تجزئ في هذا الحال.
وقال أبو يوسف: لا تجزئه إن تبيّن أنّ الآخذ ليس من المصارف، لظهور خطئه بيقينٍ مع إمكان معرفة ذلك، كما لو تحرّى في ثيابٍ فبان أنّه صلّى في ثوبٍ نجسٍ.
وفصّل المالكيّة بين حالين:
الأولى:أن يكون الدّافع الإمام أو مقدّم القاضي أو الوصيّ، فيجب استردادها، لكن إن تعذّر ردّها، أجزأت، لأنّ اجتهاد الإمام حكم لا يتعقّب.
والثّانية: أن يكون الدّافع ربّ المال فلا تجزئه، فإن استردّها وأعطاها في وجهها، وإلاّ فعليه الإخراج مرّةً أخرى، وإنّما يستحقّ استردادها إن فوّتها الآخذ بفعله، بأن أكلها، أو باعها، أو وهبها، أو نحو ذلك.
أمّا إن فاتت بغير فعله بأن تلفت بأمرٍ سماويٍّ، فإن كان غرّ الدّافع بأن أظهر له الفقر، أو نحو ذلك فيجب عليه ردّها أيضًا، أمّا إن لم يكن غرّه فلا يجب عليه الرّدّ.
وقال الشّافعيّة:يجب الاسترداد، وعلى الآخذ الرّدّ، سواء علم أنّها زكاة أم لا، فإن استردّت صرفت إلى المستحقّين، وإن لم يمكن الاسترداد فإن كان الّذي دفعها الإمام لم يضمن، وإن كان الّذي دفعها المالك ضمن، وهذا هو المقدّم عندهم، وفي بعض صور المسألة عندهم أقوال أخرى.
وقال الحنابلة: إن بان الآخذ عبدًا أو كافرًا أو هاشميًّا، أو قرابةً للمعطي ممّن لا يجوز الدّفع إليه، فلا تجزئ الزّكاة عن دافعها روايةً واحدةً ; لأنّه ليس بمستحقٍّ، ولا تخفى حاله غالبًا، فلم يجزه الدّفع إليه، كديون الآدميّين. أمّا إن كان ظنّه فقيرًا فبان غنيًّا فكذلك على روايةٍ، والأخرى يجزئه، لحديث معن بن يزيد المتقدّم، وحديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: { قال رجل: لأتصدّقنّ بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيٍّ، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على غنيٍّ.... الحديث وفيه: فأتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت، لعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا آتاه اللّه }. ولأنّ تخفى غالبًا.
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- مجموعة من الباحثين