يبدو أن مقدار الزكاة المعروف في الإسلام لم يعد يكفى لسد حاجات المجتمع اليوم، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية، وما يحدث من تغيرات وتطورات، وهذا المقدار بحاجة اليوم إلى إعادة النظر لذلك فأنا أرى أن الحكومات المعاصرة لها أن تزيد في مقدار الزكاة وذلك حسب الظروف والأحوال.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا الرأي مردود، للأدلة الآتية:
1- أنه مخالف للنصوص الصريحة، الثابتة من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، وقد أمرنا أن نتمسك بهذه السنة ونعض عليها بالنواجذ كما حذرنا الله -تعالى- من مخالفتها، فقال: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) النور: 63.
2- أنه مخالف لإجماع الأمة الإسلامية كلها، طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان، تغيرت فيها الأوضاع الاقتصادية والأحوال السياسية، والظروف الداخلية والخارجية واحتاج الخلفاء والأمراء -في بعض الأزمنة- إلى المال حاجة شديدة، إلى حد خلو بيت المال أو الخزانة خلوًا تامًا، ومع هذا لم يقل واحد من العلماء خلال تلك العصور بجواز زيادة نسبة الزكاة.
3- ومما يؤيد هذا الإجماع: اختلاف الفقهاء قديمًا: هل في المال حق سوى الزكاة أم لا؟ ولو كانت المقادير الواجبة في الزكاة تقبل الزيادة ما كان هناك وجه لهذا الخلاف عند المثبتين ولا النافين فإن الخلاف يدل على أن المقادير ثابتة باتفاق الطرفين، والبحث إنما هو فى تقرير وجوب حق آخر إلى جوارها عند الحاجة.
4- أن أوسع الفقهاء استعمالاً للقياس -وهم الحنفية- يرون أن المقادير لا يدخلها القياس، لأن التقدير والتحديد من حق الشارع وحده، وقد فرغ منه، فإذا كان القياس لا يدخل المقادير فكيف يغير مقدار ثابت بالنص والإجماع؟
5- أن الزكاة فريضة دينية، قبل كل شيء، وهي فريضة لها صفة الثبات والخلود والوحدة، إذ هي أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام بإجماع، وتعريض مقاديرها للزيادة وفقًا للظروف والأحوال الاقتصادية والاجتماعية ينفى عنها هذه الصفة -صفة الثبات والخلود والوحدة- تبعًا لظروف كل عصر، وأحوال كل بلد، وحسب هوى حكومته، فهذه تجعل الزكاة 20 بالمائة، وثانية تجعلها 30 بالمائة، وأخرى تجعلها ضريبة تصاعدية وهكذا فأين هذا مما أراده الشارع من هذه الفرائض والأركان، أن تكون من عوامل الوحدة بين المسلمين في جميع الأقطار والأعصار؟
6- ثم إن ما يقبل الزيادة يقبل النقصان، وما يقبل النقصان يقبل الإلغاء، فقد يأتي عصر يعم فيه الرخاء، ويتهيأ للدولة موارد كثيرة أخرى كالنفط (البترول) ونحوه، وحينئذ ينادى من ينادى اليوم بالزيادة، بوجوب نقصان الزكاة عن النسب الشرعية المعلومة، وربما طالب بإلغائها بالكلية وبذلك تفقد الزكاة معناها وحقيقتها باعتبارها عبادة ثابتة، وشعيرة دائمة، وتصبح ألعوبة في أيدي الحكام يغيرون فيها كل حين ويبدلون، ويزيدون وينقصون.
7- أن فتح هذا الباب يؤدى إلى طمس معالم الشريعة، وتغيير حدودها وأحكامها بالكلية أما سد حاجات المجتمع اليوم، وتغطية النفقات التي تتطلبها الدولة في عصرنا، فذلك يكون بفرض ضرائب أخرى دون تعسف إلى جوار الزكاة، وذلك بمقدار ما يسد الحاجة، ويفي بالغرض. إنتهى كلام الشيخ القرضاوي حفظه الله
أما قول السائل الكريم بأن الزكاة لم تعد تكفى لسد حاجات المجتمع اليوم، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية وبسبب المتغيرات العصرية قول لا يمكن قبوله من الناحية الشرعية، فضلاً عن الناحية المنطقية أو العلمية، لأن مقدار الزكاة الذي فرض لم يطبق أصلاً في وقتنا الحالي كي نطرح مثل هذا السؤال، ولو طبقت الزكاة كما أمر الله عز وجل لما أمكننا أبدا ً أن نطرح مثل هذا السؤال، وهذا يجعلنا بالضرورة نؤكد على أن العيب ليس في الزكاة، لكن العيب في عدم تطبيقها.
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين